صناعة الانسان في نظرية الترانسيرفينج - Transurfing Articles
صناعة الانسان في نظرية الترانسيرفينج

صناعة الانسان في نظرية الترانسيرفينج

شارك المقالة




صناعة الانسان في نظرية الترانسيرفينج
كل النظريات التي وضعها الانسان، وكوّنها العقل البشري تريد أن تصل لفهم الانسان والقدرات التي خُلق بها وعلاقته بالكون المسخر له ليتمكن من عمارة الأرض والتعايش الإنساني بين بني آدم بطريقة مقبولة ومناسبة. احدى هذه النظريات هي "نظرية الترانسيرفينج" التي تتناول طبيعة الفكر الانساني وأثرها على صناعة ذاته وواقعه وبالتالي تكوين المجتمع ككل.
وهذه النظريات بعمومها قد تكون صحيحه ومحقة من وجهة نظرها، وهي نظريات قابلة للنقاش والتطوير حتى يقبلها ويعمل بها الفرد وفقاً لقناعته بجدواها، وهنا يمكن الذكاء عندما يستمع الانسان لكل هذه النظريات وحجج تفسيراتها، فيختار أحسن القول بعد أن يتبين، وهي خطوة في طريق الحكمة، { يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ }سورة البقرة 269.
نظرية الترانسيرفينج أنطلقت من روسيا عام 2004 على يد العالم الفيزيائي فاديم زيلاند. هذا العالم والمفكر الذي لم يتجاوز العقد الرابع من عمره وقد صُنف من أقوى المؤثرين في الفكر البشري وإصداراته تُعد من الأكثر مبيعاً في العالم والتي بلغت الآفاق، وبدأت في الانتشار حول العالم لتصبح محل اهتمام العديد من الفئات الفكرية من خلال ترجمة كتابات لأكثر من عشرين لغة.  وتعتبر شركة فرانشايز الراشد بالكويت المعتمد الوحيد والرسمي لترجمة وتوزيع النظرية باللغة العربية في الوطن العربي.
 جمعت النظرية بين الواقع المادي والعالم الروحاني لفهم الإنسان والتعامل مع الحياة بأحداثها باحتراف فهوعالم فيزيائي بنى النظرية على أركان ومعالم وتقنيات تدريبية. وتقوم هيكلتها على أمرين رئيسين: الأول هو الانسان بأفكاره وأفعاله وأحوله الذهنية والروحية. والأمر الثاني هو الكون والقوانين الحاكمة له. 
لقد فصلت النظرية الامر الأول وهو طبيعة الانسان من خلال تفسير ثلاثة أمور: اليقظة أو الانتباه، وإحداث التوازن في الحياة، ووحدة العقل والروح. كما ركزت على طبيعة النفس فكرياً لتكشف المشتتات التي تؤثر على السلوك وعلى أخلاق الانسان فتجعله في دائرة مغلقة من الضغوط والشحن النفسي والجسدي وتلعب في مشاعره وتصرفه عن هدفه في الحياة وعن كل انواع العمارة فى واقعه الذي يعيشه.
وقد بدأت النظرية بأهمية توسيع الخيارات والفرص للإنسان، وتوسيع خيارات البشر فأصبح من التعاريف التي تتبناها المؤسسات الانسانية حول العالم للتنمية الانسانية والمجتمعية.  وبطبيعة حال مقدم النظرية كعالم فيزيائي فقد قدم رسوم بيانية وأشكال هندسية فزيائية بعدة أبعاد ليفهمها العقل البشري، موضحة أن القدر هو مرهون باختياره وقراره، وهي ما يسميها زيلاند فضاء الاحتمالات فكلها إما أسباب ينطلق منها وهي الأقوى وإما آثار للنتائج. وفي هذا موافقة للشريعة الإسلامية في قوله تعالى: (وهديناه النجدين) سورة البلد10، وقوله سبحانه: (كل امرئ بما كسب رهين) سورة الطور21، وقوله: (كل نفس بما كسبت رهينة) سورة المدثر38.
والقدر عند فاديم هو أقرب لما يوجد في الإسلام كونه قدراً مكتوب مسبقاً، ولكن يختلف مع بعض فرق المسلمين أو الديانات الأخرى بأن الانسان له الخيار في اختيار الطريق الذي ترشده له روحه بكل سهولة دون مشادات أو تزاحم على المصالح وتقاتل.
 أما اليقظة وقوة الملاحظة فهى الركن الأساسي للنظرية؛ وهي المراقب الداخلي للترانسيرفينج طوال حياة الانسان لصناعة الواقع وتغيير الذات؛ واليقظة هي الأساس لبناء النية الداخلية والخارجية فإذا غابت اليقظة غاب فهم النظرية ولم تعمل مع صاحبها، والنية الداخلية هي الرغبة الملحة الصادقة للبناء الواثقة بحسن النتائج التي تدعوه للتحرك وبذل الجهد والمشقة للحصول على ما يريد. أما النية الخارجية فهي نوايا الاخرين الصادقة للتعمير والبناء، واتصال النية الداخلية بالنية الخارجية لهي أفضل وأنجح طرق التعمير بالأرض. وكيف لا وقد أوصانا الله بالصدقة لتيسير أمورنا ورزقنا في الحياة فهي قانون حياة هي وعد حق، (إنما الأعمال بالنيات)، (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ﴾ سورة الكهف 28
 وعندما يأتي العالم المفكر للتحدث عن الركن الثاني من النظرية كما أوضحنا عاليه، فانه يركز على القانون الكوني الحاكم وهو قانون التوازن الذي يؤثر على كل نواحي الحياة في هذا الكون منذ نشأته (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ) سورة الرحمن 7، فسبحان الخالق العادل. هذا القانون يعمل اختياراً أو إجباراً، بإدراكنا أو إرغاماً عنّا، بالإدراك والاختيار للأحداث والتغيرات ليحافظ دائما وأبداً على توازن النفس أو المحيط حولنا. وهنا تكمن قوة الادراك بقوة اليقظة وانتباهها ودور المراقب الداخلي. فإذا غاب المراقب الداخلي وارتفعت مشاعر الأهمية الداخلية في ذاته أو زادت احاسيس الأهمية الخارجية فاضت لديه المشاعر والاحاسيس وأثرت على سلوكه واستدعت بغير واعي، وهنا أختل التوازن الطاقي ويصبح الأنسان عرضة لهجوم ذبذبات الأحداث والتي يسميها (البندولات) بسبب وجود اختلال واختلاف في أفكاره وأفعاله حتى تعيده للتوازن رغماً عنه.
 وهذه البندولات المدمرة، تُسهم في امتصاص طاقته وحياته ووقته وجهده ثم تغادر بعد أن تغذت على أقوى ما عنده من أفكار وأفعال وحطمت همته وبرمجته على ما تريد، فهو يدعو لكشف هذه البندولات سواء الظاهرة أو الخفية.
أما وحدة العقل والروح فهي اكتمال الكيان الإنساني وقدرته على صناعة الذات والواقع وسريان الحياة بكل سهولة وسلاسة والحصول على ما يريد كيفما يريد بكل سهولة ويسر، فليس هناك تردد أو وسوسة أو أوهام، أو نفاق او تقديم وتأخير بل اتفاق وعزم وانسجام وراحة بال في اتقان العمل.
وتأتي التقنيات الملحقة في كل ركن من الأركان موزعة على تسعة عشر فصل وكلها تدور حول الحفاظ على استقرار الانسان وفهم الحياة بجميع جوانبها لتحقيق الأهداف وترشده بكشف التأثيرات والطاقات السالبة.
فعند تقلبات الظروف تأتي تقنية المحايدة "الانتقال المستحث" ليكون مُعاراً مؤقتاً لتجاوز هذه المرحلة مع ترقب الإشارات ومجرى الاحتمالات التي تعطيه ملامح وتنبيهات لاختيار طريق ومسار جديد، وتجديد النوايا وإعادة النظر لها باختيار واضح والاستفادة من تقنية السلايدات المرئية أو الصوتية أو المكتوبة لتقرب بين وحدة العقل والروح وتجعلهما في اندماج وتوافق مستمر فالعقل يقرر والروح تشير، وتحدد الأهداف والرسالة وتفتح لها الأبواب وتتكامل قوة الطاقة وارتفاع ذبذباتها بأريحية تامة، واستثمار موجات الحظ والفرص المتكررة بشكل دائم من غير جهود مظنية وعناء مستميت فنجاح اللحاق بها تكون بالملاحظة والمراقبة المستمرة باحتراف، ومثلها مثل تقنية الفريلينج التي تركز على مضاعفة العطاء دون الأخذ.
وقد غاص البحار الروسي باحتراف المؤلف المتمكن مع اطلاعه على الأديان المعاصرة وإلمامه بعلميته الفيزيائية المادية وروحانياته الميتافزيقية ليضع هذه النظرية كتجربة للتعامل الإنساني مع الواقع والنفس والآخرون، وأحدث عدد من التقنيات التدريبية التي تفسح المجال للاختيار وإحداث التوازن وتساعده على موافقة العقل للروح والاستيقاظ المنتبه.
ونظرية الترانسيرفينج تدعو لحفظ اعتقاد الانسان كما هو دون تدخل بل وتقويه لان مفاهيم هذه النظرية تنمي العقل وتغذي النفس وتجعل الجسم المادي في استرخاء وتقدر قيمة المال والعطاء والحفاظ على الكنوز الربانية الموزعة في الكون من ردات الفعل البندولية والتي تؤثر عليه حتماً عندما يغيب الهدف من الحياة، وتجعله عرضه لإسقاط الأحكام الجزافية على الآخرين وأذيتهم، والانغماس في المشاعر السلبية دون مخرج.
وقد تخصصت في هذه النظرية وتعمقت في مفاهيمها ودرستها مباشرة من معتمديّ فاديم زيلاند وحاولت أن أبسط مفهومها حتى يسهل فهمها، وقد أبحرت في خفاياها ومدى شرعيتها ووجدتها متوافقة مع مقاصد الشريعة الإسلامية ولولا طول المقام لذكرت الإشكاليات وفككت الرموز وبينت الأدلة والاستدلالات والإرشاد لما يُشكل، ولكن بعمومها فهي مفاتيح للإنسان ليتعامل مع ذاته ومحيطه بكل وعي ويقظة ويحفظ المقاصد الخمس بأساليب إبداعية للفرد وللمجتمعات.

وأعتقد أن هذه النظرية هي ضالة العالم العربي اليوم، وجديرة بتدريسيها في المناهج الدراسية وبالتجربة والاستفادة من كنوزها، وهي من الحكمة التي يحتاجها كل انسان ويجدر بالعربي أن يأخذها حتى لا يكون إمعة وأن يحسن إن أحسن الناس، وإن يتجنب إساءتهم.
خالد الرفاعي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمكنكم الانضمام الى متابعينا في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي للتوصل بكل جديد

في الموقع الان

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *