النفس المطمئنة في الترانسيرفينج - Transurfing Articles
النفس المطمئنة في الترانسيرفينج

النفس المطمئنة في الترانسيرفينج

شارك المقالة



النفس المطمئنة في الترانسيرفينج
أعز ما خلق الله عقل الروح البشري، للحديث: (وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أحب إليّ منك، بك آخذ، وبك أعطي، أما وعزتي لأُكملنّك فيمن أحببت ولأنقصنك فيمن أبغضت...)([1])، فهو ملكة وغريزة ونور ويعتبر المستوى الأعلى من البصيرة الإدراكية تفوق الحواس، وقد ورد في تسع وأربعين آية في القرآن، بمعنى القلب، واللب، والنُّهى، والفكر والتفكر، والفقه، والاعتبار، والتدبر، والحكمة، وُجد العقل مع وجود الروح، ووجد المخ مع وجود الجسد المادي، ويوجد في العقل المخ، "ويجب أن نفرق بين المخ والعقل"([2]) فالمخ الذي يمثل مخزن معلومات الدماغ هو منطقي الترتيب والاستنباط والبحث والتقصي والتحقق، ووحدة العقل والروح وجدتا قبل وجود البشر وتبقى مخلده فهي من أمر الله، وهي التي أخذ الله عليها العهد في قوله تعالى: وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم)الأعراف 172.

وأثناء هذا المقال سأدمج معاً معنى المخ المفكر بالعقل المدرك، بمصطلح العقل كونه نداً للروح ليُفهم معنى النفس المطمئنة.
 كل النظريات ومنها نظرية الترانسيرفينج التي وضعها الإنسان، وكوّنها العقل البشري تريد أن تصل لفهم الواقع، وفهم الانسان، وفهم الكون، فقد تكون صحيحه ومحقة من وجهة نظرها، وهي نظريات قابلة للنقاش والتطوير حتى يقبلها العقل.

 فالعقل يتقبل كل ما هو من عالم الماديات والمحسوسات والمشاهدات فهو علمّي وواقعي بامتياز، والروح على العكس من ذلك ترى مالا يراه العقل، فهي شفافة، ورقيقة، ولطيفة، ومن عالم الغيب، متصلة بقوة عظيمة في الوجود قوة الله؛ لأنها من أمره.
 لذلك؛ اتسعت المفاهيم والتفسيرات الفلسفية والاطروحات من كل الديانات والمذاهب والتيارات لتفسرها كيفما يتوافق مع القناعة في تلك الفترة، فالجميع يحاول إيجاد رابطة تواصل بين العقل والروح للتفاهم بينهما لفهم الحياة، وتجذّرت في كثير من البشر مفاهيم مغلوطة تبرمّج عليها الناس واتخذوها طريقة في تعذب النفس واستحقارها وعدم تقبلها من حيث أرادوا إصلاحها وتهذيبها.
 في جميع مراحل حياة الإنسان؛ تسعى الذات لاكتشاف العلاقة والاستقرار بين العقل والروح لاتفاق أحدهما مع الآخر، وتكون الصراعات في أشدها أثناء مرحلة المراهقة وأثناء الشك العلمي الممنهج.
  فتصل عند بعض المراهقين ضياع وتضخّم في البحث عن ماهيته؟ ومن هو؟ وكأن صراع العقل والروح كمن يريد أن يُطلق صراح الذات من حيث لا يدري! مثل السجين عندما يطرق الجدار للتأكد أن معه سجين آخر بجواره ويبادله الشعور بوجود حياة في المحيط.
ويأتي الشك العلمي الممنهج للبحث عن الحقائق وتكوين الفلسفة الخاصة والاستخلاف في الأرض لعمارتها. 
فالبعض يجد التوافق الروحي والعقلي مبكراً والبعض يستمر عشرات السنوات ليجدها والبعض يموت ولم يجدها بعد!   
وجود الخطط المنطقية وبدائلها، يريّح العقل الحثيث الذي لا يهدأ له فكر للتحليل والربط، ليحمي هذا الجسد من أي أخطار ومهددات ظاهرة أو خفية، تهدد استقراره وسلامته، ويُسكّن كذلك الروح لتغشاها الرحمة والهدوء والطمأنينة لتكون نفساً مطمئنة؛ كما يسمّيها المسلم.
فما وراء الحواس الخمس هو غذاء الروح، والحواس الخمس هي غذاء العقل، فالخيال والتأمل والصمت والشعر والغناء والترانيم، والأصوات والمناظر الجميلة وصدى الكلمات العذبة هي أغذية تمد الروح بالحياة، بينما الغذاء الفسيولوجي المتحوّل من الطعام هو غذاء الجسد المادي.
هنا نستنبط لماذا كان العُباد والكهان والسحرة غشيهم التطّرف في تعذيب الجسد للوصول لطاقة الروح، بينما الأطباء والماديين في تطرف آخر واستماته لحياة الجسد غذاءً وعلاجاً، وبينهما يكون فهم الصلة بين الطاقة الروحية والجسدية، التي تحقق الانسياب والانسجام بين العقل والروح للوصل لعمارة الحياة والنفس المطمئنة. 

لذلك؛ نجد حب الامتلاك، والأخذ وإثبات الوجود والرغبات المختلفة وهيجان الغضب والارتباك هي رسائل من العقل للبقاء، بينما الحب والعطاء وقبول النفس والآخرين هي رسائل روحية للبقاء.
فالحوادث والمصائب والتقلبات والقلق والاضطرابات هي بفقدان الغذاء الروحي من شكر وامتنان ومحبة وطاقة مشاعرية تسمو بالروح نحو المعالي.
وأما التطرف بجانبيه المتزايد والمتساهل في تعذيب الجسد في مأكله ومشربه وبقاء جنسه، والاستخفاف بالعقل، هو بسبب المبالغة في الغذاء الجسدي زيادة ونقصاناً.
وهذا الشقاق بين العقل والروح تغذية مصالح البندولات ليزداد الانسان جهلاً وحمقاً وتيهاً في الحياة، وتحقق له البندولات نتف من المكاسب المؤقتة، لكنها تبقيه تحت سيطرتها لتتحكم به.  
الانسان بذاته ومكوناته العقلية والروحية والجسدية والنفسية هو بحاجة لإحداث توازن بين العقل والروح أولاً ليصفو له سحر الحياة وجمالها.

تولد في الذات كثير من المعاني الجميلة؛ فالروح طاهرة جميلة ونقيّة وأما السلوك السلبي المكتسب هو ما جعل الغبار على الذات لتبدو ما ليست عليه، وكلما اكشفت النفس المطمئنة وحدة العقل والروح وروعتهما وجوهرهما الفتان؛ شعّت الذات بنورها وازدادت اضاءه، وارتفع الوعي وسقطت درجة الأهمية بنوعيها الداخلية والخارجية، وتغلبت على شياطين البندولات وحبالها، وصنعت واقعها.
إذا فهمت هذا المدخل للعقل والروح استطعت أن تعزز الصداقة بينمها وتفهم الفرق بين الانانية التي يعززها العقل والثقة التي تعززها الروح واستطعت أن تفهم كيف توجه النوايا وتحقق الأهداف وتتجنب الصراعات الداخلية والواقعية والكونية، بل ستكون كمن يمّد يده للغريق لينقذه من البحر، أو كمن يرمي الطعام للطيور والاسماك ليجذبها، وقلبت الطاولة رأساً على عقب على جميع البندولات.
ووحدة الروح والعقل هو السّر في انخفاض الذبذبات وارتفاعها، وتفعّيل الاستحقاق وصناعة الواقع وإدارته.
العظماء الذين سطروا التاريخ وخلدوا أسمائهم كانت أعظم أسّرارهم التوافق بين الروح والعقل عاشوا ببصمتهم الذاتية فكانوا هم هم وليس الآخرون.
رويداً رويداً لتصل للوحدة العقلية والروحية فتبدأ من استشعار ذبذبات الاستحقاق والوعي بذاتك ومراقبة أفكارك وكلماتك وأفعالك، عندها تبني العلاقة بين الروح والعقل لتجد سحر السباحة في الحياة بجدارة واقتدار.
وهكذا تدعوك نظرية الترانسيرفنيج أن تحقق الوحدة المتكاملة بين العقل والروح لتصبح نفسك مطمئنة وتتأخذ القرارات بوعي، وتتمتع بحقوقك الروحية التي تفوق القدرات والمواهب ولكن القرار لك أنت فقط!.

خالد الرفاعي


[1] ) روي في مسند الامام زيد، وصحيح الترمذي، وسنن أبو داود
[2] ) العقل ليس هو المخ كما استنتج وايلدر بينفيلد ذلك، وهو جّراح المخ والعالم الشهير أنظر: كتاب معجزات العلاج، أ.راجي عنايت، ص237

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمكنكم الانضمام الى متابعينا في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي للتوصل بكل جديد

في الموقع الان

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *